صلاح السقلدي

صلاح السقلدي

تابعنى على

شموخ امرأة

Saturday 21 March 2020 الساعة 05:28 pm

اسمها رضية شمشير، رائدة الصحافة النسوية الأولى بالجزيرة والخليج، من اُسرة عدنية يشار لها بالبنان عِلماً ونضالاً، شقيقة الشهيد حيدر شمشير (واحد من شهداء تحرير الجنوب من الاستعمار البريطاني)، مؤرخة لنضال المرأة في عدن وكل الجنوب.

ربما ليست الوحيدة من نساء عدن والجنوب واليمن عموما التي ما تزال في صومعة الاعتزاز بالنفس قابضة على مبادئها وقناعاتها الوطنية المشرفة كالقابض على النار في هذا الزمان الرخو الذي أضحت فيه القيم والأوطان تُــباع في أسواق نخاسة الأوطان وبازار الدولار والريال، فمن حُــسن حظنا أن ثمة نساءً كُــثرا بنفس السجية وبذات الطوية الشمشيرية.

يقال بأن المرأة مثل العشب الناعم ينحني أمام النسيم ولكنه لا ينكسر لعاصفة ولا تقتلعه قاصفة.

فبرغم الحسرة التي تتملك رضية شمشير وهي تحدثك عن هذا الوضع المريع الذي تُــمرُ به عدن وعموم الوطن إلّا أنها تُحِسنُ رباطة جأشها باقتدار، وتشبُّثها بجذع الأمل بمهارة حتى وهي تشاهد حلم الأمس يتسرب من أمامها وأمام الجميع كتسرب الماء من بين الأصابع، بعد أن أصبح هذا الوطن مرتعا لشذاذ الآفاق من الداخل والخارج يلهون به كدمية مزركشة براقة.

ما زلتُ أتذكر لها ردا شجاعا عميقا في إحدى المقابلات الصحفية قبل سنوات، على سؤال: (بعض الذين شاركوا في الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني اعترفوا بانهم ندموا، توافقينهم على شعورهم بالندم؟).

فكانت الإجابة: (الحقيقة لا نستطيع أن نقول إننا نادمون لأننا طردنا المستعمر من بلادنا).

فلا شيء أروع من أن تكون المرأة بطلة نفسها، وأن تهزم انكسار روحها.. فكبرياؤها الشمشيري تنبعُ مِـــن بساطتها، وشموخها ينبثق من تواضعها، وعُـصاميتها تتجلى بجنبات ثقافتها الواسعة وتمكنها من مهنتها الصحفية الرائدة

اعتزازها ينضح من تاريخها النضالي النقابي والعمالي والطلابي المشرف الذي يمتد لعقود، لم تُبطِـله بالمّــن والأذى كما يفعل بعض المسوخ من أشباه المناضلين والأدعياء، ولم تُدنّـــسه في بلاط قصور الحكام، أو تهرقه وتهرق كرامتها الشامخة على عتبات الملوك والأمراء كما يفعل بعض من رفاق الأمس سماسرة اليوم، الذين يصغّــرون أكتافهم بحقارة نظير المال الخليجي والدولار الأمريكي.

تدهشك في بساطة حديثها، وتجد نفسك مشدوها بعمق تفكيرها.. تحدثك عن ذلك المسئول الذي كان بالأمس في نظرها ونظر الناس هامة وقامة، وصار اليوم أي كلام يعرض تاريخه الذي بات يخجل منه للبيع، كان جبلا وصار حصاة تسند جــــرّة، قزما صغيرا يتوسل الصدقات على موائد اللئام.. يخجل من كل شيء إلا مما يفعله بنفسه وبتاريخه وبوطنه من مذلة وخنوع، يشد رحاله كل شهر من عاصمة إلى عاصمة ومن مطار لمطار.

يقال بأن أقصى ما يخشاه الرجال من النساء هو سخريتهن منهم.

فكم من قليل أصل باع وطنه وتاريخه من الرجال يستحق السخرية من رضية شمشير ومن غير رضية شمشير؟

يا الله ما أكثرهم وما ابغضهم.!

حتى وهي تشارك في الحوار الوطني بصنعاء عام 2014م كانت نصيرة قوية للقضية الجنوبية، لم تساوم عليها مطلقا، كما فعل بعض المنسلخين على مؤتمر شعب الجنوب الذين آثروا اللُقم على القِيم، باعوا واشتروا بالقضية الجنوبية وانتحلوا اسمها ووقعوا وبصَموا بالعشر على ذبحها من الوريد للوريد في مذبح دولة الستة الأقاليم المزعومة.

وللعلم حين نكتب عن السيدة رضية شمشير ونستعرض بعض مما تسحقه من الإشادة في زمن تخلّــى فيه الكثير عن رفاق دربهم وانغمسوا في وحل الارتزاق والهوان، فإننا بالضرورة نتحدث عن نسائنا العظيمات اللواتي على ذات النهج الشميشيري، وهنّ من حُــسن طالعنا كثر، قياسا ببعض رجال الفلتة.

* من صفحة الكاتب على الفيسبوك