محمد عبدالرحمن

محمد عبدالرحمن

عدن.. الساحل والتلال والأغنية الثالثة

Saturday 18 January 2020 الساعة 03:13 pm

 في ذلك اليوم وصنعاء يقضمها الصمت عدا صوت البنادق المقاومة والمدافع المهاجمهة في الشوارع المؤدية إلى "الثنية" البيت الذي تمترس فيه صاحبه الزعيم الصالح ورفاقه، خاضوا انطلاقاً منه المعركة الأولى لثورة الجمهورية الثانية، ولدت الثورة، وبينما كان الشهيد الزعيم والأمين ورفاقهما يصافحون الأرض بدمائهم، كانت عدن تفتح أبوابها للثوار القادمين من الشمال العائدين إليه. 

عدن المدينة التي ألِف ثوار الشمال شوارعها وحاناتها، وأسلموا أفكارهم وإيمانهم ساحلها، وأسندت التلال قضاياهم الوطنية والثورية ضد الأئمة وحكمهم الباغي، احتضنتهم وصاغت لهم السبيل وزودتهم بالمؤن، وما زالت إلى اليوم مأوى ثوار ديسمبر الجمهورية يحتمون بها ويتزودون فيها، ثم ينطلقوا لاستكمال ثورتهم ضد الأئمة الجدد في صنعاء.

ينبغي عليّ أن أجد لفظاً يليق بوصف عدن وهي تدلنا على الطريق كنجمة وسط الظلام والتيه بعد استشهاد الزعيم والأمين وخروجنا من صنعاء، كانت كل المدن تشبه بعضها، نمر كالغرباء في صمتها وحزنها وشعورها بالانكسار، إلا عدن التي فتحت أبوابها وجهزت لنا معسكراتها وأعادت لنا الروح المعنوية وقالت: من هنا حيث العودة إلى صنعاء. 

عاصمة الجنوب وحصنه المنيع، مضيافة للمقاومين والزوار والتجار، وصلنا إليها متعبين فأعادت لنا قوتنا، وبدأنا فيها من جديد نبني تشكيلاتنا ونستعد لخوض المعركة والعودة، لم تتنصل عن حمايتنا رغم مشاكلها الكثيرة، قابلتنا بوجهها الثوري الباسم وهي تعرف أن ليس لثوار الشمال غيرها، وما نحن إلا امتداد للنضال المستمر ضد أئمة البغي والطغيان 

عدن أغنيتنا التي طغت على أفواهنا وقلوبنا، نغنيها بأصواتنا الشمالية المنكسرة والمتقدة بجلالة الثورة، ليس للمقاوم البعيد عن بلاده إلا البندقية وأغاني الحنين للعودة، لكن عدن كانت أغنيتنا التي تدفئ حناجرنا وتشد من أزندتنا في الوقت الذي كنا نستعد للوصول فيه إلى المخا عبق التاريخ ونكهته، نشق الطريق بالإيمان والبندقية والشهداء نحو صنعاء محبوبتنا.

لم تكن هناك مدينة يمكنها أن تأوينا مثل عدن، مدن الشمال تتخبط في الظلام، تنهشها مخالب عدو اعتقدته ولداً محباً لها، أرتدى عباءة تخفي حقده ونهمه للقتل وتعطشه للدماء، فقبلته كخطيئة لن يمحوها الزمن، وسيكتب التاريخ أن الحوثي وميليشياته كان الشيطان الذي أغوى اليمنيين، فسقطت المدن والقرى في الظلام والألم والوجع الذي لا يمكن نسيانه.

ها قد أصبحنا قوة ضاربة ونمتلك العُدة والعتاد، تقاطر المقاومون من كل مناطق الشمال، وشكلّنا الكتائب والألوية، وصرنا جيشاً يستطيع خوض المعركة باقتدار وتحرير صنعاء، ورغم ذلك ما زالت عدن تقاتل معنا، تسندنا وتخفف أوجاعنا وتستقبل جرحانا، وتحزن معنا في شهدائنا، هي الحضور الدائم معنا.

لا أحد يستطيع أن ينكر ما صنعته عدن من أجل الشمال، على الرغم أن الحوثي دمرها وصبّ حقده على شوارعها وأبنائها، وفعل الإخوان مثل ذلك، بثوا في الخوف والرعب والإرهاب والاغتيالات حقداً وبغضاً، لأنها رفضت مشاريعهم وأرادت أن تكون عدن كما هي عاصمة الجنوب والمقاومة، تقدم كل ما تملك من أجل أن يعود الناس في الشمال إلى مدنهم وقراهم، بعيداً عن السياسة وما تقوله شعاراتها.


التاريخ لن ينسى عدن وما قدمته من أجل صنعاء، ولن ينسى دورها البارز في ثورة ديسمبر الجمهورية، ولن ينسى جرائم الحوثي والإخوان في الجنوب والشمال، ولن يستطيع أحد أن ينسى شهداءها الذين قاتلوا دفاعاً عن كل القضايا الوطنية، ولن ينسى التاريخ أن عدن هي أول من قاتل مشاريع الإرهاب والظلام وحاربت بكل بسالة وتضحية.