سمير الصنعاني

سمير الصنعاني

قيادات المؤتمر.. تدمير لإرث الزعيم

Thursday 06 September 2018 الساعة 04:26 pm

(علي عبدالله صالح ورّث، ومن ورّث ما مات، مش ورّثت الأسرة الصغيرة المنتمية لصالح لعفاش، ورّثت المؤتمر الشعبي العام بكوادره، مثقفين وسياسيين وسياسيات، هذه هي الوريثة، وهذه التركة التي خلّفتها ثقافياً وسياسياً واجتماعياً، هذه هي أكبر تركة ومفخرة أني افتخر بها، أني أوجدت تنظيم سياسي قوي من هذه التربة لا يستورد ثقافته لا من زعيط ولا من معيط، ولا اليسار ولا من اليمين، هذا الشيء المفخرة وتاج على رؤوسنا كلنا)..

ما سبق هو اقتباس لفقرة من كلمة ألقاها الشهيد الزعيم صالح في دورة تنظيمية بمعهد الميثاق، في 18 مايو 2017م، وهو يفاخر بأنه ورث المؤتمر الشعبي العام وبقياداته ومثقفيه وسياساته وإنجازاته، وهي بمثابة رسالة ووصية قالها صالح، وكان يعنيها ويوجهها في الأساس لقيادات المؤتمر وقواعده وإلى بقية القوى السياسية.

للأسف الشديد، أن تلك الرسالة اليوم تكاد تغيب أو تُغيب من قبل قيادات المؤتمر ورفاق درب صالح الذين خاضوا معه معركة العمل السياسي والحزبي على مدى ثلاثة عقود ونيف، وباتوا اليوم يمارسون مشهدَ خلافاتٍ مثيراً للسخرية والاشمئزاز، ولو عاد الشهيد صالح إلى الحياة وشاهدهم وهم يتبادلون الشتائم، ويحولون صفحات الفيس بوك وتويتر إلى منصات للاتهامات والاتهامات المضادة، لسخر منهم واكتفى بتذكيرهم بأخلاقه التي لم يتعلموا منها شيئاً.

في خطابه الأخير، وهو يواجه الموت، ظهر صالح الزعيم والشهيد شجاعاً وقوياً، وقبل ذلك ذا أخلاق ظلت تحكم نظرته وتعاطيه للسياسة وإدارته لخلافاته مع الآخرين أصدقاء وخصوماً، حتى المليشيا الحوثية التي أعلن الانتفاضة ضدها بعد أن وجد نفسه مضطراً لمواجهتها وهي تهاجم منزله وعائلته وأقاربه بتهم كاذبة، لم يستخدم ضدها ألفاظاً شتائمية، أو مفردات بذيئة، أو مصطلحات كتلك التي يتبادلها من كانوا معه في قيادة المؤتمر سواءً أكانوا في الداخل أو الخارج.

يتذكر الجميع كيف أدار صالح خلافاته مع خصومه من الناصريين إلى الاشتراكيين إلى الإخوان إلى أولاد الأحمر ،إلى علي محسن، ثم هادي، وحتى بعض قيادات المؤتمر التي تركته وفرت هاربة إلى خصومه في الداخل أو في الخارج، وأيضاً مع خصومه الإقليميين والدوليين، ظل صالح يتحدث عنهم جميعاً في نطاق البروتوكولات السياسية وبحصافة وقلما يجد المتابع أن صالح لجأ إلى أساليب الشتم والقذف أو اللغة الهابطة في إعلان مواقفه من كل أولئك، وذلك عائد في الأساس إلى أخلاقه الشخصية، والى رؤيته السياسية التي ظلت حريصة على ترك (شعرة معاوية) كما يقال في إدارة المعركة ضد الخصوم مهما كانت درجة الخصومة.

ما من شك أن صالح اليوم الذي ارتقى شهيداً وهو يدافع عن الثورة والجمهورية والدولة والقيم، وعن الحرية، وعن حقه وعرضه وبيته ضد المليشيا ومشروعها الكهنوتي، لم يكن ليتوقع أن قيادات المؤتمر التي رافقته في ممارسة العمل السياسي والتنظيمي العام والحزبي على مدى ثلاثة عقود لم يعد لديها من قضية سوى تبادل الشتائم والسباب واتهام وتخوين بعضها البعض، ومحاولات استثمار دمه ودم الزوكا وكل الشهداء الذين سقطوا معهم لمصالح شخصية بحتة لا علاقة لها بالوفاء لصالح الشهيد كشخص، أو لصالح كرمز وطني، أو للمبادئ والقيم التي ضحى من أجلها صالح وقدم روحه فداءً لها.

على المستوى الشخصي لو أن هذه القيادات تبذل قليلاً من ذلك الجهد الذي تدير به خلافاتها في إدارة معركة المطالبة بالإفراج عن أولاده وأقاربه الأسرى لدى مليشيات الحوثي، وتحويل هذه القضية إلى قضية رأي عام داخلية وخارجية لكان ذلك أجدى وأنفع لهذه القيادات ولمثل دليلاً على أنها لا تزال وفية لشخص كان له الفضل في أن تصبح هي ما هي عليه اليوم.

وعلى المستوى التنظيمي والحزبي لو أن هذه القيادات في الداخل والخارج تسعى للملمة الصفوف، والبحث عن مشروع تنقذ به الحزب الذي أسسه الشهيد صالح وتعيد له الاعتبار، وتحافظ عليه باعتبار ذلك حفاظاً على إرث صالح السياسي كما قال في نص تلك الفقرة أعلاه، لمثل ذلك قمة الوفاء لصالح ولمشروعه ولتاريخه الذي يسعى خصومه وفي مقدمتهم قاتلوه (مليشيا الحوثي) وخصومه (الإخوان وبقية الأحزاب ومعهم هادي) إلى اجتثاثه بشكل ممنهج.

وعلى المستوى الوطني، فإن تلك القيادات وبدلاً من أن تستثمر دم صالح في التنازع على مناصب حزبية في المؤتمر أو تحقيق مصالح شخصية في علاقاتها الداخلية والخارجية، تستثمر دمه وتضحيته كما فعل هو حين ضحى وقدم روحه رخيصة في محراب الدفاع عن الثورة اليمنية، والنظام الجمهوري، ومشروع الدولة والمساواة والحرية ومواجهة مؤامرات العنصريين والمليشيات وكل من تآمروا ويتآمرون على تدمير الدولة، وتمزيق البلاد، والإصرار على الجلوس على كرسي السلطة ولو كان ذلك على أشلاء الأبرياء، وجثث البسطاء، ودموع الفقراء والجياع وكل من دمرتهم كوارث الصراع الذي تشهده البلاد منذ 2011م.

فعلاً، إنه لأمر مخزٍ جداً أن يرتقي صالح والزوكا شهيدين، ويقبع أولاد الزعيم وأقاربه في أسر المليشيات، فيما رفاق صالح في قيادة المؤتمر يخوضون معارك خلافات شخصية وكلامية على صفحات التواصل الاجتماعي وبشكل بات يخلو من أبسط قيم وأخلاقيات الخلاف أكانت شخصية أم تنظيمية أم وطنية.

رحم الله الشهيد صالح ورفيقه الأمين الزوكا اللذين ضحيا بروحيهما من أجل الوطن ومن أجل الثوابت الوطنية التي ظلت ديدنهما في السراء والضراء، ويكفيهما عزاء أن قواعد وكوادر وأنصار المؤتمر من البسطاء وهم الأغلبية لا يزالون ثابتين وصامدين وأوفياء للمؤتمر ولتاريخ مؤسسه، ولتضحيات شهدائه ولمبادئ وقيم ومنجزات التنظيم، وأن خلافات القيادات ليست سوى مشهد مثير للسخرية والاشمئزاز، لكنها لا يمكن أن تكون تعبيراً حقيقياً عن عظمة المؤتمر، وعظمة قواعده والمنتمين إليه من البسطاء والعامة الذين يرون فيه ذلك التنظيم الذي يعبر عن طموحاتهم في يمن جمهوري ديمقراطي موحد تديره الدولة، ويحكمه الدستور والقانون والحرية والعدالة والمواطنة المتساوية التي لا مكان معها للعنصرية والمذهبية والطائفية والمناطقية وكل المشاريع الماضوية والمتخلفة والصغيرة.