محمد عزان

محمد عزان

تابعنى على

دردشة في الولاية (3/أ)

Sunday 02 September 2018 الساعة 02:47 pm

 في حديثنا عن (الغدير) هنا وعن (السقيفة) لاحقاً، لسنا في وارد الكلام عن أولوية أبي بكر أو علي؛ لأن ذلك أمر يَخص من كانوا في عصرهم، وقد اختاروا لأنفسهم واتفقوا واختلفوا في وقتهم بما فيه الكفاية، ولهم ما كسبوا ولنا ما نكتسب، ولكننا نريد أن نبين أن تلك الأحداث جرت بشكل طبيعي اقتضتها طبيعة تلك المرحلة، ولم يكن فيها تشريعٌ لصورة معينة لنظام الحكم أو تعيين شرعي إلزامي لشخص أو عشيرة، ولا مؤامرة على أحد.

أما اجتماع الغدير، فالقدر المتفق عليه في روايات القصة، هو: أن النبي أثناء عودته من حجة الوداع توقف عند غدير خم وخطب فيمن بقي معه من الحجيج، واشتهر أنه في تلك الخطبة حث على التمسك بالقرآن، ثم أوصى بأهل بيته وبالأنصار والموالي، وكان مما قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه».

ويظهر من السياق التاريخي أن الصحابة -بمن فيهم الإمام علي نفسه– ما فهموا من قوله «من كنت مولاه فعلي مولاه» أمراً يتعلق بالولاية (الخلافة)، ويدل على ذلك عدة أمور:

❶ من الجانب العملي، تفيد الروايات أن علياً كان يرى نفسه أهلاً للخلافة، وعلى ذلك الأساس قدّم نفسه لها أكثر من مرة، ولكنه لم يحتج لنفسه بحديث الغدير لا في عهد أبي بكر ولا عمر ولا عثمان، مما يدل على أنه قدم نفسه للخلافة على أساس أنّه أهل لها، وليس على أساس أنها حقٌ له بالنص الشرعي.

❷ من الجانب العلمي، لم يذكر أحد ممن حضر خطبة الغدير أن فيها ما يدُل على تنصب علي، ولا يُعقل أن ينسى آلاف الصحابة تلك الخطبة في أقل من سنة، أويتواطؤوا على كتمانها؛ بل تواتر أن "الأنصار" اجتمعوا في "سقيفة بني ساعدة" لينصِّبوا خليفة منهم.. فلو علموا نصاً في عليّ أو غيره لما فعلوا ذلك، خصوصاً وأنهم كانوا أهل نُصرة وصلاح، وليس لهم موقف سلبي من الإمام علي.

❸ من الجانب النظري، احتج الإمام علي على صحة ولايته بعد عثمان بتَحَقُّق الشورى وببيعة الناس له، فقال: «لقد بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بويعوا عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإذا اجتمعوا على رجل فسموه إماماً كان ذلك لله رضاً». وهذه الرواية نصٌ في المقصود، وهي معتمدة في كتب الزيدية والإمامية أيضاً.

❹ من الجانب السياسي، تُفيد أصح الروايات أن علياً بايع الخلفاء الثلاثة قَبْلَه، وعمل تحت رايتهم، حتى أن الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى (في الدرر) قال: «ظهر من حال الإمام علي وتواتر المناصرة والمعاضدة والمشاورة والمدح والصلاة خلفهم، والخروج تحت لواء أبي بـكر في قتال أهل الردة وأخذ نصيبه من الفيء».

❺ من الجانب الاجتماعي، أن علياً عاش مع الخلفاء بمودة ورضى، حتى إنه زوّج عمر بن الخطاب ابنته "أم كلثوم"، وعن ذلك قال شيخنا مجد الدين المؤيدي: «إن تزْويج أم كلثوم من عمر وقع بلا ريب، وأن علي رضي به قطعاً». وقبله قال العلامة ابن بهران: «ذلك مشهور، والذي يقال: من أنه لم يدخل بها وأنه أكره علياً أن يعقد له بها، ونحو ذلك مما لا أصل له، وإنما هو من حشو الرافضة».

❻ من الجانب الاستدلالي، يرى جمهور المسلمين من غير الشيعة أنه لا علاقة لخطبة الغدير بموضوع الولاية لا من قريب ولا من بعيد، ويروى جمهور أئمة وعلماء الزيدية أن ما جرى في الغدير ليس نصاً صريحاً في الولاية وإن كان صالحاً للاستنباط منه والاستشهاد به، حتى قال العلامة صلاح بن أحمد المهدي (في شرح الفصول) «لو كان جلياً لعلمه الناس كلهم، ولتوفرت الدواعي إلى نقله؛ لأنه من مهمات الدين كالصلاة والزكاة والحج ونحوها». ووحدهم الإمامية والجارودية يرونه نصاً صريحاً في ولاية الإمام علي، يبنون عليه مواقفهم من المخالفين.

 وهنا أود أن أختم بالتأكيد على أن الإمام علي كان شخصية فذة في تاريخ المسلمين، وأنه كان مؤهلاً للخلافة بقُدراته وكفاءته المكتسبة وليس بالنص عليه، وأن الخلافة فاتته أولاً وثانياً وثالثاً لاعتبارات موضوعية فقط.. وهذا يؤكد ما نحن بصدد الكلام عنه من أن نظام الحكم وما يتعلق به أمرٌ خاضع لظروف المراحل وحركة الحياة وتنوع المجتمعات، وليس في شيء من كيفيّاته وتفاصيله نصوصاً شرعية مُلزمة.

 المنشور اللاحق سيكون استكمالاً لهذا، وسيكون بمشيئة الله عن القصص والإضافات التي ألصقت بـ«حديث الغدير» عبر الزمن.