بشرى عبدالله

بشرى عبدالله

تابعنى على

قلب من تعز

Sunday 08 July 2018 الساعة 09:27 am

كلما لحت في خيالي،
اتأملك كما يتأمل طفل وجه أمه للمرة الأولى ليتعرف على ملامحها،
لكي لا أضيعكِ!

قبل عامين بالضبط كتبت السطرين أعلاه لمدينة طالما استأثرت على قلبي،تعز تلك المدينة التي انتزعت منها رغما عني بسبب الحرب،وكلما كنت أرتب فيها سببا للبقاء تخلق الحرب في وجهي العديد من الأسباب للرحيل،
تمسكت بترابها وبأشجارها وبسمائها وحتى أنني كنت في الدقائق الأخيرة على أراضيها أحاول مد نفس الهواء إلى ضلوعي بأكبر قدر ولأطول مدة لعلي أبقي رائحتها لوقت أطول في أعماقي،

لكني حللت في النهاية ضيفة على هذه المدينة اليتيمة برحيل معظم أبنائها عنها أجمع شوقي وحنيني في مقويات لغوية تمثلت بجمل منمقة لكل من كان يتحدث عن الحرب أحدثه عن أسى مدينتي،

حتى توقفت حتى عن ذكرها تماما،لم أعد أكن بأي شعور تجاه تلك المدينة تحديدا تلك المشاعر التي طالما أثقلتني،أتذكر أنني على إحدى طاولات المكتبة في جامعة صنعاء قبل عامين جال في فكري الموضوع بشكل مختلف،

بينما كنت أبحث عن التشابه والإختلاف بين مدينتي وبين هذه المدينة حتى في إنتظام الكتب وارتصاص الرفوف وتعامل موظفة المكتبة مع القراء وترتيب الكراسي وجلوس القراء وهدوئهم وصمتهم وأحزنني أن المكتبة لا تطل على شيء مهم يسرق نظري بين فواصل القراءة،وليس ثمة من هواء قادر على تحريك حتى شعر رضيع،

لم أكن أبحث عن شيء جديد بقدر ما أبحث عن مواساة لذاك الفقد، ومن ثم توقفت لأني أدركت أنني لا أبحث عن أي فوارق لكي أحبها وإنما لكي أشعر بالآسى أكثر تارة وتارة بالتمسك بتلك المدينة،

ومن ثم ومع الوقت توقفت تماما عن الحديث عنها،ومن ثم نسيتها،ولولا لهجتي التي فيها منها لما جاء على ذكرها من قبل الآخرين،فأتذكرها كما يتذكر الغريب سلاما على الغريبة،ومن ثم انتقلت لفلسفة الأمر،لكي أفهم ما حدث وربما لكي أنصف ذاتي التي طالما يزعجها ما حدث،
وقلت أن الأمر متعلق بالحرية،هذه المفردة التي ليس لها رأس ولا قدم،يقبض عليها من في الهرم ويلصقونها بالتجاوزات لتغدو جرما وسلوك غير مقبول،ويقبض عليها من في القاعدة ويحملونها كل التجاوزات التي لا يرافقها وعي ولا معرفة،
وربما غدوت من الآخيرين دون أن أدري،
الحرية أن تغدو بلا رابط مكاني ولا زماني ولا حتى وجداني بأي شيء،شخص،مكان،لما لا،قبل سنتين وضعت هذا التصور قيد التنفيذ وبالحق وجدت نفسي على شكل آخر،أتقيد بالضوابط لكن لا أصبح سجينة لأي شيء،وحينما كسرت تلك القاعدة مرة لحق بي الأذى،وسمحت بأشياء تافهة كثيرة باستقطاع الكثير من وقتي.

كان شيء جيد أن يغدو التنصل عن الإنتماء والجذور حرية،وأن كان التنصل هذا مقنن بإنتماء آخر،لا يعقل أن تغدو بلا فكر مقنن برؤية ما، فكان العالم الفسيح جذوري وإنتمائي،لماذا أحصر نفسي في تلك المساحة الصغيرة وأعرض نفسي لتعذيب مستمر لا ينتهي،هذا ليس هروب من ألم أنه بحث عن كل شيء آخر،لن أغفل عن تلك المساحة الصغيرة لكني أيضا لن أغمض عيني عن المساحة الأكبر،

فتحررت من تلك المدينة ورغم أني نظرت للأمر أنه تقدم كبير في التجربة، إلا أنني أيضا أنكر على قلبي هذا التخلي السريع، أليس مخيفا أن يكون قلبك كالبحر،على قدر ما يبدو قادرا على استيعاب كل شيء،على ما يغدو أيضا قادرا على رميها خارجة بموجة واحدة.

من صفحة الكاتبة على الفيسبوك