فارس جميل

فارس جميل

قرارات المشاط الصادرة من السرداب

Wednesday 30 May 2018 الساعة 10:06 pm

مع إعلان تقدم القوات المشتركة في الساحل الغربي إلى مديرية الدريهمي على مشارف الحديدة، وبعد فشل محافظ الحديدة المعين من الحوثيين في مقابلة مهدي المشاط وانتظاره أياما طويلة في سبيل ذلك دون جدوى، صدرت توجيهات حوثية عليا بتوجه كل القيادات لحشد المقاتلين والتوجه بأنفسهم للدفاع عن الحديدة، حتى تلك القيادات المدنية التي لم تذهب للقتال من قبل، رغم يقينه بأنه يرسلهم للموت المحقق في جبهة مكشوفة دون غطاء جوي.

مهدي المشاط الذي لم يعد قادرا على مقابلة أحد، يصدر توجيهاته من سردابه الخفي حرصا على سلامته، بعد تجربة صالح الصماد التي انتهت بمقتله في 19 إبريل الماضي، ولا يهمه من يموت ولا كيف يموت ما دام هو سالما وقادرا على التواصل مع بطانته المقربة وإعلامه الخاص.

أما مكتب رئاسة الجمهورية الذي يديره أحمد حامد وزير إعلام الحوثيين السابق المقرب من عبدالملك الحوثي الحاكم الفعلي في ظل ذهاب مهدي المشاط إلى السرداب حاليا، ورغم عدم امتلاكه أية صفة قانونية (ككل مؤسسات الحوثي اليوم)، لكنه تجاوز ذلك إلى التحكم المباشر في الجامعات دون المرور على قفازات وزارة التعليم العالي الحوثية، أصدر استمارات مطولة يجب أن يملأها الأستاذ الجامعي ليحصل على نصف راتب شهر (أغسطس 2017)، ووجه بعدم تسليم هذا النصف راتب المنتظر لمن لا يملأ الاستمارة، وقد يفقد وظيفته مستقبلا.

بالتزامن مع استمارة أحمد حامد إياها، سارعت جامعة ذمار إلى فصل أكثر من 30 عضو هيئة تدريس فيها عن الخدمة قبل أيام بحجة الانقطاع عن العمل، مع أن عقد العمل ينص على العمل مقابل راتب شهري منتظم، والحوثيون هم من أخل بالتعاقد وليس أعضاء هيئة التدريس، الذين يتم التخلص منهم لاستبدالهم بآخرين من أتباع الجماعة.

وأنا أزور الجامعة رأيت أستاذا جامعيا مرموقا وقديما، وهو يمشي بثياب غير متسقة، ونصف حذاء متآكل، ووجه بائس وهزيل، إنني أعرفه جيدا لكن المشهد جمدني في مكاني ولم أستطع حتى مناداته والسلام عليه، لم يكن يوما بهذا الشكل، بل كان أنيقا مهندما حليق اللحية بشكل يومي، وها هي اليوم تكاد تجعل التعرف عليه غير متاح، هذا هو الوضع الذي أصبحت عليه أهم شريحة أكاديمية يمنية في عهد من لا يحترمون علما ولا جامعة بل يتعمدون إهانة كل عقل يمني يستعصي على خرافاتهم والولاء المطلق لسيدهم.

في نفس الوقت الذي ينتظر فيه مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرة الحوثيين نصف راتب يتيم، ولم يستلموا قبله أية حقوق منذ أواخر العام الماضي، عندما كانوا يتهمون صالح وحزب المؤتمر بافتعال أزمة عدم صرف المرتبات، وظهر أنهم يديرون هذه الأزمة بشكل منظم، وأن حرمان الموظفين من رواتبهم هدف بحد ذاته، لأن المنتمين للميليشيا يحصلون على أموال منتظمة سواء كانوا موظفين أو لا ينتمون لأية مؤسسة.

بدلا من الحصول على نصف الراتب الموعود منذ ما قبل رمضان، تفاجأ كثير من الموظفين بإسقاط وزارة الخدمة المدنية الحوثية لهم من كشوف الراتب، بعد أن تم تعيين قيادات كل المكاتب والإدارات من أتباع الحوثي ومن أبدى تأييده وولاءه لهم، في حال لم يطمع أحد منهم بمنصب معين.

هذا الوضع الذي لا يكاد يصدقه إنسان عاقل، إلا من عرف جماعة الحوثيين عن قرب، لم يمنع الجماعة من إصدار قراراتها بتعيين قيادات لهيئة الزكاة الجديدة التي أصدر المشاط قرارا بإنشائها مؤخرا، دون المرور بشهادة الزور التي طالما حرصوا على استخراجها من البرلمان على تصرفاتهم التي جعلت البرلمان شاهد زور وشريك جريمة ولو تحت التهديد والوعيد، لكن بعض أعضاء البرلمان الذين نجحوا بالخروج من صنعاء بعد ديسمبر 2017، ووصل عددهم قرابة العشرة بمن فيهم نائب رئيس البرلمان المعين من قبلهم، وكما تجاوز أحمد حامد قفازات التعليم العالي تجاوز المشاط قفازات البرلمان.

هذه الهيئة (هيئة الزكاة) يفترض أن تستند لما أصبح اليمنيون يسمونه بــ(قانون الخُمُس)، وهو المشروع الذي لا يبدو أن البرلمان المقهور على أمره سيقره بعد فرار أعضاء منه إلى خارج صنعاء، وبقائه في أدراج اللجنة الدستورية منذ إحالته إليها قبل مقتل الصماد، رغم رشوة المشاط لهم بصرف مكافآتهم المتأخرة أو (بدل الجلسات) عند حضوره لأداء يمينه غير الدستورية.

هيئة الزكاة التي أبدى الحوثيون حرصا عجيبا على إنشائها، لتعطيل مصلحة الواجبات ونهب نصيب السلطات المحلية من عائدات الزكاة، حيث إن قانون السلطة المحلية يمنح المجالس المحلية في المديريات والمحافظات قرابة 48% من عائدات الزكاة، بينما وجه الحوثي سلطاته الخاصة بتوريد عائدات الزكاة من كل المناطق الخاضعة لسطوته إلى صنعاء لتخضع لقبضة المشاط وفريق فساده الشهير، بعد أن تم تحديد نسبة منها لآل البيت أو بشكل أوضح لأسرة الحوثي وأتباعه المقربين باعتبارهم من سلالة عليا لها حق امتصاص ريق اليمنيين من أفواههم.