د. صادق القاضي

د. صادق القاضي

تابعنى على

من كان المسئول عن القمع وانتهاك الحريات؟!

Sunday 18 September 2022 الساعة 03:35 pm

                                              إهداء للأستاذ: شوقي القاضي.

يمكن قول الكثير عن عيوب النظام السابق. على جانب الحريات الأدبية والقمع الفكري، كما في أي دولة عربية أخرى، وإن كانت اليمن، خاصة بعد الوحدة اليمنية، من أكثر دول العالم الثالث اتساعاً للتعدد والتنوع والاختلاف وحرية التفكير والتعبير. 

ومع ذلك، كانت هناك بعض القيود على الحريات، وحالات قمع، وقضايا حسبة وتكفير وتشهير وملاحقات ومحاكمات.. تعرض لها بعضٌ من كبار المفكرين والمبدعين والكتاب والصحافيين.. هذا الملف الأسود محفوظ للتاريخ، وبإمكان أي طرف فتحه للمكايدة والمناكفة السياسية.. إلا "جماعة الإخوان".

السبب.. في هذا الاستثناء. أن هذه الجماعة هي التي كانت تقف وراء جل معظم تلك القضايا والانتهاكات، كانت هذه الجماعة من قبل ثمانينيات القرن الماضي، أحد أركان النظام السابق، وشريكته في السلطة والدولة، وجهازه الأمني والعسكري، ويده القذرة على الكُتّاب والأدباء والمفكرين والمبدعين.

معظم القيود التي كانت مفروضة على الحريات الفكرية والأدبية والسياسية، في عهد النظام السابق، كانت من اشتراطات هذه الجماعة الدينية الشمولية التي كانت وظلت وما تزال وستظل معادية للحريات الفكرية والاجتماعية والفنون والآداب والمرأة، ومعنية بقمع الأدباء والمفكرين، والفنانين والعاملين والحالمين بمستقبل أفضل لليمن.

لا يمكن إحصاء ضحايا هذه الجماعة الكهنوتية. من قبل قيامها عام 1985م بتكفير البرفيسور حمود العودي، وتوجيه تهمة "الردة" ضده ومحاكمته بسبب كتابه "المدخل الاجتماعي في دراسة التاريخ والتراث العربي"، أحد القائمين على تكفيره "تناول سيفاً وراح يطارده في أروقة الحرم الجامعي ليذبحه"، ثم في المحكمة، حسب قوله: "وُجّهت ضدي 11 تهمة تكفير.. وعندما حضرت إلى النيابة حينها ورفضت التهم الموجهة ضدي.. أبلغوني أن الحكم قد صدر بحقي أصلاً، مهما ادعيت أنها تهم باطلة، لذلك شعرت بالخطر على حياتي، وقررت المغادرة إلى عدن".!

ولعل أكثر أدباء اليمن الكبار تعرضاً لحملات وفتاوى التكفير، الشاعر الكبير الدكتور عبد العزيز المقالح، بدايةً بتعرضه في الثمانينيات للتكفير والتشهير بسبب قصيدة شعرية في كتابه "سيف الثائر علي بن الفضل"، وصولاً إلى وصفه بالكافر وأنه "أسوأ من الشيطان" بسبب إدلائه بمناسبة إعلان "صنعاء عاصمة للثقافة العربية 2004" بتصريح يدعو إلى "تعزيز الحوار الثقافي والحضاري ونشر قيم التفاهم والتسامح وإشاعة ثقافة السلام ورفض ثقافتيّ العنف والتكفير".

والقائمة تطول، بالجملة والتجزئة، من أبرز ضحاياها: الدكتور أبوبكر السقاف، والدكتورة رؤوفة وجار الله عمر، وعمر الجاوي، ووجدي الأهدل وحسن عبدالوارث وأحمد الحبيشي، وسمير اليوسفي وعبد الكريم الرازحي. وغيرهم كثير، وصولاً إلى تكفير الكُتاب والناشطين المدنيين منهم بشرى المقطري وسامية الأغبري، والكاتب فكري قاسم وآخرون. ضمن فتوى تكفير وقع عليها الزنداني والديلمي على خلفية كتاباتهم في موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك".!

بشأن الشاعر والأديب اليمني الكبير عبد الله البردوني. كان هذا الشاعر والأديب يعمل في مؤسسات النظام القديم الإعلامية والثقافية، ويعبر عن رأيه ورؤيته ويشارك في صناعة الحراك الثقافي بكل حرية وجرأة من خلال وسائل إعلام الدولة، بما فيها الإذاعة، وصحف الدولة، على رأسها الصحف التابعة للجيش، وخلال ذلك:

-عمل كاتباً وضمن هيئة تحرير كثير من المجلات الأدبية الصادرة عن "اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين" وسواه.

-من عام 1964م وحتى وفاته، كان معداً للبرنامج الثقافي الأسبوعي الشهير (مجلة الفكر والأدب) في إذاعة صنعاء. 

- 1969م: 1975م. عمل مشرفاً ثقافياً على مجلة الجيش. 

- واظب لفترة طويلة على كتابة مقال أسبوعي في صحيفة 26 سبتمبر بعنوان «قضايا الفكر والأدب».

- وكان يكتب مقالا أسبوعيا في صحيفة "الثورة" بعنوان «شؤون ثقافية". 

كما كانت كتبه ودواوينه تباع في المكاتب والأكشاك والأرصفة. بثمن بخس لا يتجاوز أحيانا عشرة ريالات. ثم قامت وزارة الثقافة للنظام السابق بجمع أعماله الشعرية وإصدارها بطبعة فخمة تحت عنوان الأعمال الشعرية الكاملة للبردوني.

ومع ذلك كان هذا الشاعر الكبير يشكو من قمع النظام القديم، أشهر قصائده فيه قصيدة "سكران وشرطي ملتحي" وهي بداية من عنوانها إلى آخر نقطة فيها، تؤكد أن تلك الجماعة التي تزايد اليوم على النظام القديم، بمسألة الحريات، هي نفسها من كانت وراء فرض القمع واليد القذرة للنظام فيه.

بشأن مواقف الجامعات اليمنية التابعة للدولة من شعر البردوني. كانت هذه الجامعات تشجع على دراسة شعره، صاحب هذا المقال حضّر رسالة ماجستير عن شعر البردوني، عام 2004 في جامعة تعز، مع تشجيع هذه الجامعة وترحيب واحتفاء القائمين عليها من رئيس الجامعة، إلى أساتذة القسم.

بشأن الأعمال المخفية للبردوني. كانت هناك أعمال مخفية. ولا يزال بعضها مخفياً، المسئولون عن إخفاء هذه الأعمال قفزوا من سفينة النظام إلى مركب الإخوان منذ 2011. وعلى الإخوان توجيه الأسئلة إليهم بهذا الشأن.. مع الأخذ بالاعتبار أنهم آخر من يحق لهم البكاء على الحريات خلال النظام السابق.!