مصطفى النعمان

مصطفى النعمان

تابعنى على

الأوقات الصعبة لم تنته بعد

Wednesday 06 July 2022 الساعة 08:50 am

لم تعد المسافات الجغرافية عاملاً أساسياً في تحديد السياسات ومدى التأثر بالأحداث.

 فقد صارت متابعتها سهلة دقيقة بدقيقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات التي تنقل تفاصيل ما يدور.

 وهذا ينطبق على الأوضاع الإقليمية والدولية عموماً، ولا تستطيع أي دولة الابتعاد عن إسقاطاتها.

منذ بداية الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا واحتلال عدد من المقاطعات الأوكرانية، نبهت تقارير دولية موثقة إلى النقص الحاد الذي سينجم عنها في أسواق الغذاء والنفط والغاز، إضافة إلى عدد آخر من السلع الأساسية، مثل الأسمدة والزيوت التي تشكل مصدراً أساسياً لعديد من دول العالم، ومن ضمنها بطبيعة الحال الأقطار العربية.

 وعلى سبيل المثال، تحدثت صحيفة "واشنطن بوست"، في تقرير نشرته في 30 يونيو (حزيران) الماضي، عن آثار الحرب في أوكرانيا على الأوضاع الإنسانية في الصومال.

 وقالت إن سبعة ملايين صومالي يعانون نقصاً حاداً في أمنهم الغذائي، مع مواجهة 250 ألفاً منهم خطر الموت جوعاً.

الخبر فاجع، ولكنه غير مفاجئ، ولا أتصور أنه يثير الاستغراب، لأن الحرب الأهلية التي دارت في ذلك البلد الثري بموارده الطبيعية لفترة طويلة من الاحتراب الداخلي صارت نموذجاً فاضحاً للعجز عن إنقاذ بلد عضو في الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ونقول عنه إنه بلد "شقيق".

 ولم تفلح كل المحاولات الخجولة، الإقليمية والدولية، التي بذلت لإنهاء الانقسام الذي دمر البلد ومزق نسيجه الاجتماعي وجعل منه بؤرة صراع إقليمي وقبلي مستمر. وستظل الآثار التراكمية المفزعة لذلك مصدراً لمزيد من الفقر والجوع لسكانه.

اليمن ليس نموذجاً بعيداً من نموذج الأعاصير المدمرة الدامية التي مرت بها الصومال، لكن من المهم القول إن انتباه العالم إلى اليمن كان في جوهره نابعاً من موقعه الجغرافي الذي رسمه القدر إلى جوار الثروة النفطية الهائلة التي تختزنها السعودية، ولإطلالته على معظم شواطئ البحر الأحمر غرباً والمحيط الهندي جنوباً، مما يجعله عامل تهديد إقليمي وعالمي.

لقد تسبب استمرار الحرب اليمنية بضجر العالم من أخبارها ويأسه منها، وما عاد البلد يثير إلا الشفقة على الأوضاع الإنسانية حين يشاهد العالم صور المجاعة والفقر والأمراض، وحين يستمع إلى نداءات منظمات الإغاثة التي تحاول التخفيف من المجاعة فيه، ولكن العراقيل التي توضع أمام أنشطتها ستجبرها على تحويل اهتماماتها إلى مناطق أخرى في أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية.

لقد كررت، وهذا ليس موقفاً شخصياً تجاه الأحداث، ولا سلبية في السرد، أن الحديث عن السلام واستعادة الدولة التي نتمناها أمر جميل يجب السعي إلى التوصل إليه وعدم التوقف عن الحديث والعمل من أجله. 

ونحن نعلم أنه لم يعد سراً أن المزاج الإقليمي والدولي صار مصمماً على إنهاء الحرب في اليمن.

 ولربما يكون من الجائز القول إن إيران هي المستفيد الأكبر والأوحد من استمرار حال القلق والاضطراب في أكثر من بلد عربي، ولقد منحها ذلك قدراً من النفوذ بأبخس الأثمان، على الرغم مما جلبه عليها من خصومات وغضب وكراهية في المنطقة العربية، وما تسببت به من مآسٍ ونبش تاريخ قديم من العداوات والخصومات.

إن الرغبة في إنهاء الحرب وحدها غير كافية كي تتحول إلى واقع، إلا عبر المفاوضات المباشرة، ولكن الأوضاع الميدانية والضغوط الخارجية تدفعان مجلس القيادة الرئاسي إلى ضرورة القبول بالحد الأدنى المعروض.

 من هنا، جاءت فكرة تشكيل المجلس ليضم معظم القوى المناهضة للحوثيين، وفي الوقت نفسه فقد جمع بين الأضداد على طاولة واحدة.

 وذاك سلاح إذا ما تم استخدامه بعقل رزين وترفع فوق الخلافات وحكمة وتروٍّ سيكون الحديث عن صف واحد تحت سقف واحد ولهدف واحد أمراً ممكناً.

ولكن هذا الأمر ليس هيناً، على الرغم من الرغبة في تفعيله، لأن الطموحات السياسية الضيقة والأنانية عند بعض القوى السياسية النشطة تسبق الطموحات الوطنية الجامعة.

 وتجدر الإشارة هنا، إلى أن عوامل الفرقة الآنية بينها تفوق عوامل التوحد المطلوب حول الهدف النهائي. 

وهو ما لا يخفى على الفاهمين بالأوضاع اليمنية. 

والأخطر هو أن هذه التفاصيل الدقيقة هي في واقع الحال أكثر هيمنة على مسارات المستقبل.

لا يمكنني هنا أن أتجاوز الحقيقة التي يعلمها الجميع، وهي أن انهيار منظومات الأمن والخدمات وتوافر الغذاء، ناهيك بالمرتبات والوظائف، يمثل عامل ضغط على المجلس الجديد، لكن الواضح أن الإمكانات ستقف عاجزة أمامه ما لم يتم الإيفاء بالوعود التي تم الإعلان عنها وتنتظر التنفيذ بحسب الشروط التي تم الاتفاق عليها.

 واليوم، لقد اقتربنا من انتهاء المئة يوم الأولى وما زال الناس ينتظرون الإنجاز الذي يمنح المجلس ثقة المواطن ويمنحه أملاً حقيقياً يتجاوز تهويمات الإعلام الرسمي وتخشبه في جمل ومفردات عتيقة تثير السخرية، وما عادت تحقق أياً من أهدافها في حشد المجتمع وإقناعه بسعي السلطة لتحقيق حاضر آمن ومستقبل مزدهر.

اليوم، أجد أن المهمة الملقاة على عاتق الأعضاء الثمانية تبدأ بالمكاشفة وتعريف المواطنين، بأولوياتهم المشتركة والاعتراف للناس بحقيقة ما يدور عوضاً عن ترك القضايا مثار جدل في صفحات المواقع الإلكترونية. 

ويجب عليهم أخلاقياً ووطنياً فهم أن قدرة الناس على الاحتمال قد قاربت وصول منتهاها. 

وإذا ما كان الحوثيون قادرين في الرقعة الجغرافية التي يسيطرون عليها على قمع وترهيب كل صوت وناقد ومخالف، فإن الأمر مختلف جداً في المناطق خارج تلك المساحة، حيث السلطات موزعة ومشتتة وغير منضبطة.

لقد أفرزت السنوات السبع الماضية حالاً من الجمود الإداري والانفلات الأمني في المناطق التي يفترض وقوعها تحت سلطة المجلس الجديد، وصارت تعيش أوضاعاً مرئية وملموسة من الفوضى والتسيب المشهود. 

وعلى المجلس التعاون لحسم أمر التنسيق سريعاً بين القوى المسلحة المختلفة التي تسيطر على رقع متناثرة هنا وهناك، وضبط نشاطاتها، وإلا فإن سلطته الأخلاقية والوطنية ستتلاشى سريعاً وبغير قدرة على التحكم في مسارات الفوضى التي سيواجهها.

قد يعتقد البعض من المتفائلين الذين اعتادوا إطلاق العنان للأوهام الزائفة أن سنوات الصعوبة والضيق سيتم تجاوزها سريعاً، لكنني أخشى القول إن الأيام المقبلة ستكون أشد وأقسى. 

لذلك، يجب مصارحة الناس بالواقع الذي يعرفه الجميع، ولكن كثيرين يرغبون في إنكاره والعيش في سراب، لعل "غودو" يأتي لإخراجهم وإخراج البلاد من كوارثه المتكررة.

*نقلا عن "إندبندنت" عربية