د. عبد العزيز المقالح

د. عبد العزيز المقالح

العالم قرية واحدة

Wednesday 09 October 2019 الساعة 04:48 pm

لا تصلح مقولة "العالم قرية واحدة" إلاَّ في حالة واحدة، تلك هي حالة الإشكاليات التي تعكس نفسها على كل مكان في هذا العالم المترامي الأطراف. فما يحدث في أكبر الدول أو أصغرها يعكس نفسه على بقية الدول، وإن بمستويات مختلفة. يخطئ من يظن أن البلد أو الدولة التي تعيش فيها ستكون في منأى عن المؤثرات السلبية التي تحدث في دولة أخرى وعواقبها، وفي مقدور أي باحث أن يتبين ذلك بوضوح تام.

إن العالم قرية واحدة حقاً، لا سيما بعد التطورات المذهلة التي حدثت لوسائل الموصلات والتوصيل، وأصبح ما يحدث في أقصى الأرض معروفاً بعد أن كان ذلك يقتضي أسابيع وشهوراً. وحبذا لو أن العالم، بعد أن حولته التطورات إلى قرية واحدة، قد تماثلت حسناته وما أحرزه من تقدم اجتماعي وثقافي.

لقد بقيت معظم أقطار العالم العربي في منأى حقيقي عن كل تطور إيجابي، وظلت ترسف في قيود التخلف لا ينالها شيء مما أحرزته الدول المتقدمة صناعياً واجتماعياً. وهذا وحده ما يشكك في مصداقية هذا المقولة التي تؤكد كون العالم قرية واحدة، ويشكك أيضاً في القول الشائع من أن مستقبل هذا العالم واحداً أو في طريقه أن يكون واحداً.

لقد تعب المفكرون والمبدعون في نشر مبادئ الحرية والعدالة والمساواة بين كل البشر الذين يعيشون على هذه الأرض، إلاَّ أن جهودهم تذهب دائماً أدراج الرياح، فالخلافات التي تجتاح الشعوب ما تزال أكثر تأثيراً من كل الدعوات الأخلاقية، ولا يبدو أن العالم يسير نحو ما يشتهي المبدعون والمفكرون ودعاة المحبة والسلام. ذلك لسوء حظ الإنسان الذي عانى، ومازال يعاني، وسيظل يعاني إلى أن تتغير العقليات الجامدة، وتدرك الأنظمة الحاكمة في الدول الكبرى أنها تسير عكس ما كان ينبغي أن تسير عليه لبناء عالم هو في الحقيقة قرية واحدة.

ويلاحظ أن مستوى الوعي في كثير من الشعوب قد ارتقى درجة لا تصدق، ومع ذلك فقد ظل هذا الوعي عاجزاً عن وضع حد للمعاناة بسبب مجموعة من العوامل التي لا يمكن تجاهلها أو العبور فوقها، ومن أهم هذه العوامل الدور الذي تقوم به العنصرية وتعمل دون هوادة على نشر التمايز والخلافات بين البشر الذين كانوا وما يزالون يحلمون بعالم واحدة تسوده المحبة والوئام، عالم لا تفاضل بين أبنائه ولا تمايز بين فئاته.

ويبقى الأمل معقوداً على الوعي المتنامي رغم كل المعوقات والمحبطات، وبين شعوب هذا العالم نماذج لهذا الأمل الانساني، إذ أن بمقدور الشعوب التي تعاني أن تتخذ من تلك المتقدمة نموذجاً يقتدى به، والإخلاص للعالم الذي اتفق الجميع على أنه قرية واحدة. ولا يبقى سوى العمل الدؤوب على تجاوز هذا الواقع المشوه الذي تتوزع خارطته أنظمةٌ على درجة من التقدم، وأنظمةٌ على درجة من الفوضى والجمود.

*من صفحة الكاتب على الفيس بوك