د. ياسين سعيد نعمان

د. ياسين سعيد نعمان

تابعنى على

روحنا من الزيدية!!

Friday 04 October 2019 الساعة 03:57 pm

"روحنا من الزيدية بلا سيف ولا جنبية".
كنت أردد هذا "المهجل" الذي حفظته منذ الصغر حينما جاء إلى دارنا في وادي شعب ضيف عند والدي، رحمه الله، وكان دائماً ما يردد هذا المهجل في مناسبات عدة.

كان "الضيف" تهامياً هارباً من بطش الإمام أحمد، وبقي لمدة تزيد عن ستة أشهر حتى إن سلطان لحج يومذاك، السلطان علي عبد الكريم، قبل أن يخلعه الإنجليز، طلب من والدي أن يرسل الضيف إلى لحج، لكن والدي خاف أن يسلموه للإمام الذي كان يطالب به، فطلب المشورة من بعض وجهاء ومشايخ الصبيحة الذين وقفوا صفاً واحداً وطلبوا من السلطان أن يبقي الضيف في حوزتهم، وفي هذه الأثناء التي كان فيها التداول مع السلطان مستمراً بين شد وجذب، وصل عامل ناحية الوازعية يحمل عفو الإمام عن هذا الضيف الذي اقتنع بالعفو الذي حمله العامل، وتم إشعار السلطان الذي وافق على تسليمه.

ظللت أردد "المهجل" كجزء من ذكريات لم تفارقني أبداً، ولم أكن أعرف خلفيته أو ماذا يعني؟

وبعد سنوات طويلة جمعتني الظروف، بعد الوحدة، بالشيخ محمد منصر (رحمه الله) أحد مشايخ تهامة -الزرانيق- المحترمين، وكان عضواً في مجلس النواب ومن أكثر الناس خلقاً واحتراماً.

وفي كل مجلس ألتقيه كان يحدثني عن علاقاته الواسعة ببلاد الصبيحي ومشايخها ووجهائها، فقررت ذات مرة ونحن في ديوان الشيخ أحمد علي المطري في حدة بحضور عدد من أعضاء المجلس، الشيخ علي صغير شامي، والشيخ علي وهبان العلي، والأستاذ يوسف الشحاري وعلي السلامي أن أسأله عن خلفية هذا "المهجل" إن كان يعرف عنه شيئاً.

فشرح خلفية الموضوع أنه في واحدة من معارك الزرانيق مع جيش الإمام كان النصر حليف الزرانيق، حيث هزموا جيش وعكفة الإمام، وطاردوهم وهم في حالة يرثى لها من الجوع والتعب وبدون سلاح حتى مدينة الحديدة، فانتظروا أياماً خارج مقر عامل الإمام بالحديدة الذي رفض أن يقابلهم بانتظار أمر من الإمام وكانوا طوال بقائهم في الانتظار يهجلون "روحنا من الزيدية بلا سيف ولا جنبية".

تذكرت هذه الحادثة وكيف خيم الفزع على مليشيات الحوثيين حينما تهيأت تهامة لقلعهم منها قبل أن تخمدها الحسابات والضغوط، والتي بدأت بعدها التداعيات تنشر مضاعفاتها السلبية في شرايين عملية استعادة الدولة كلها.

لا يجب أن نغفل هذه الحقيقة إذا أردنا أن نعيد تقييم المسار في أكثر اللحظات حاجة لمصارحة الذات.

أما إذا كانت هذه الحسابات وتلك الضغوط قد رتبت مسارات العملية على نحو مقصود بحثاً عن مخرج يضع الجميع في فك تجارب التسويات المعروفة والتي تنتهي بأنصاف الحل، وبضحايا بوزن ضحايا التسويات السابقة، فلا شك أن اليمن سيكون على موعد مع كوارث يمكن معرفتها بسهولة باستعراض بسيط للوحة القوى التي أفرزتها الحرب، وطبيعة التسوية التي عمرت بها هذه القوى بنادقها والأهداف التي وجهت إليها.

ولن يختلف المهجل من حيث مضمونه إلا من حيث الأفواه التي سيتعين عليها هذه المرة أن تردد (سلمنا الحديدة بلاش من غير تدبير أو نقاش).

* من صفحة الكاتب على الفيسبوك