فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

الاتحادي المنتظر

Friday 19 July 2019 الساعة 07:28 am

في ظلال الحدث الذي شاهدته تهامة قبل نحو أسبوعين (الإعلان عن تكوين قيادة للقوات المشتركة في الساحل الغربي من 11 عضواً، يتوزعون جغرافياً إلى 6 من الجنوب، و5 من الشمال، 3 تهاميين واثنين من صنعاء)، خرج بعض أقوام مستفزة يلوكون عبارات عن تمسكهم بحق التهاميين -دون غيرهم- في اتخاذ القرارات التي تخص إقليم تهامة.. الإقليم الذي قالوا إنه أصبح مستقلاً اليوم عن المركز أو الهضبة، في ظل الجمهورية اليمنية الاتحادية، ورئيسها الشرعي عبد ربه منصور هادي..

وعلى الرغم من عدم وجود سبب وجيه للقلق على مصير إقليم فضائي، نحسبهم معذورين، لأننا نخمن أنهم قد تأثروا بخطب الرئيس هادي التي طالما كرر فيها الكلام عن الأقاليم في اليمن الاتحادي، حتى لو كان الواقع شيئاً مختلفاً عن مخياله، وحتى وهو يعرف جيداً أن مسودة مشروع الدستور التي خطتها لجنة من أعضاء مؤتمر الحوار الوطني لم تعرض بعد على الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار لتضع ملاحظاتها على المسودة التي لا شك أن الهيئة سترى فيها ما يستوجب التهذيب والتعديل بالحذف أو الإضافة أو غير ذلك.

الفكرة الأساسية في قولة الأقوام هي أن أبناء الهضبة أو المركز، قدموا إلى إقليم تهامة ليتخذوا قرارات تخص أهله، وأن هذا دليل على أنهم –والتهاميين الذين ارتبطت مصالحهم ببقاء المركزية ونفوذ أبناء الهضبة- يودون إدامة تكريس هذه المركزية من جديد بعد أن تم القضاء عليها من خلال نظام الأقاليم أو الجمهورية اليمنية الاتحادية. وحول ما تقدم رأينا أن نسجل ملاحظتين نعلقهما عليه:

الأولى: يجري مقال الأقوام عن إقليم تهامة، وفي أذهانهم -كما لاحظنا- محافظة الحديدة فقط، وخاصة منها المناطق التي لم تعد تسيطر عليها ميليشيا الجماعة الحوثية، وباتت تحت سيطرة القوات المشتركة المكونة من المقاومين الرئيسيين الثلاثة: ألوية العمالقة الجنوبية، حراس الجمهورية، وألوية الزرانيق.. ولكن الخطر الذي رآه الأقوام وأنه يهدد كيان الإقليم وأهله يقتصر على قائد حراس الجمهورية طارق صالح، ومن فرط الحنق لم يتنبهوا أن ادعاءً كهذا يتضمن مديحاً عالياً للرجل، وإلا كيف نفهم أن يشغلوا أنفسهم به، مع علمهم أنه عضو واحد من بين 11 عضواً في قيادة القوات المشتركة؟

جهل، أو تجاهل الأقوام أن إقليم تهامة -الذي ما يزال في علم الغيب- أحد أقاليم جمهورية اليمن الاتحادية، ليس محافظة الحديدة وحدها، بل سوف يتكون من أربع ولايات، هي المحافظات المعروفة اليوم بأسماء: الحديدة، ريمة، المحويت، وحجة، وذلك حسب نص مشروع المادة 391 من مسودة مشروع الدستور الاتحادي.. ونذكّر أصحابنا أن الاسم ليس الجمهورية اليمنية الاتحادية كما كرروا الذكر، بل هو جمهورية اليمن الاتحادية، كما في المادة الأولى من المسودة التي لا يبدو أن أحداً منهم قرأها، هذا لو كان قد سمع بها. على أن هذا كله مشروع مقترح لما سيكون، أما في الوقت الراهن فلا جمهورية اليمن الاتحادية قائمة، ولا الرئيس هادي رئيس جمهورية لم تقم بعد، ولا تكونت سلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية، ولا انتخب الناخبون رؤساء أقاليم وولايات ومديريات، ولا مجالسها.. وعلى ذلك فليس من العقلانية في شيء اصطناع خلاف حول قضية ما تزال مجرد مشروع، أو الجدل (على امرتاد وامبقره في امسوق)، كما يقول أهل تهامة في أمثالهم، إذ لما يخلق (يولد) نسموه، حسب منطق الحكمة الشعبية السيارة.. أما الآن فينبغي القبول بما هو قائم، والإنسان الرشيد يتفاعل مع الواقع وهو يتعامل معه كما يتجلى أمامه، ولا يهرب منه إلى البحث عن قطة سوداء في غرفة مظلمة غير موجودة!

أما الملاحظة الثانية، فهي أن إقليم تهامة في نظر الأقوام، ينبغي أن يكون خالصاً لأهله، ولذلك تراهم مستفزين من وجود المقاومين للجماعة الحوثية وميليشياتها، سواءً أكان المقاومون من أهل الهضبة -يطلقون هذا المسمى على أهل الجبل وهو خطأ- أو كان المقاومون من أهل الجنوب في هذا الإقليم الاتحادي المنتظر.

طيب.. تمام، ما المطلوب منهم إذن؟ أمطلوب منهم الرحيل الآن مثلاً؟ هل هذا في مصلحة تهامة أو في مصلحة اليمن، أو حتى في مصلحة جمهورية اليمن الاتحادية المنتظرة؟ المؤكد الآن على الأقل، لا.. وسوف يذهبون ذات يوم، لكن إلى جبهة أخرى بعد إنجاز مهمتهم في جبهة الساحل الغربي، ومهمتهم معروفة.. ينبغي أن يدرك المجهدون نفسياً، أن المقاومين الجبالية، ومثلهم المقاومون الجنوبيون ليسوا موجودين هنا في تهامة اليوم للنزهة، أو التملك، أو فرض النفوذ، أو الوصاية، أو إخضاع تهامة للمركزية، كما يزعم بعض الأقوام.