حسين الوادعي

حسين الوادعي

تابعنى على

الجهاد والاستشهاد الياباني

Monday 18 March 2019 الساعة 02:54 pm

كانت الثقافة المسيطرة على اليابان قبل الحرب العالمية الثانية ثقافة جهاد واستشهاد.

المثل الأعلى الياباني كان محارب الساموراي، المجاهد الياباني الذي يعيش حياته للحرب، وتتجاوز الحرب عنده مبدأ الضرورة (الدفاع عن النفس) لتتحول إلى عقيدة "ذروة سنام الشرف والمجد".

وكانت التعاليم المقدسة لليابان هي "البوشيدو" أو "طريق المحارب" التي تؤكد على قيم الموت والطاعة التامة.

فالساموراي الحقيقي هو المستعد للموت دون تردد في سبيل "السيد".

وكان لسان حال اليابانيين حينها "اطلبوا الموت توهب لكم الحياة"، وكان المقاتل الياباني عندما يواجه أعداءه يواجههم فخوراً وقائلاً "جئتكم برجال يحبون الموت أكثر مما تحبون الحياة"!

ورغم أن الإمبراطور ميجي 1868 حدث اليابان ونقلها من العصور الوسطى إلى العصر الحديث، إلا أنه ارتكب خطأ قاتلاً عندما احتفظ بمجاهدي الساموراي وثقافة الجهاد والاستشهاد.

اندمجت ثقافة البوشيدو الجهادية مع عقيدة تأليه الامبراطور (الإمام المعصوم، خليفة الله) لتؤدي إلى تنمية روح التعصب الياباني والاستعلاء على الشعوب الأخرى، وبدلاً من التصنيع والتنمية قادت اليابان أكبر عملية فتوحات وغنائم في تاريخها، رفعت فيها راية الجهاد الياباني باحتلال الصين وبورما ومنشوريا وكوريا وسنغافوره والفلبين وإندونيسيا والملايو.. بل إن اليابان دخلت في حرب ضد روسيا عام 1904 وهزمتها.

كان الشهيد "الانتحاري" النموذج الذي يسعى لبلوغه كل ياباني.

وفي يوم من أيام 1944 بلغت نزعة الاستشهاد اليابانية ذروتها عندما طلب عسكري مجنون من أفضل طياري الجيش الياباني القيام بعمليات انتحارية بالطيارات لتدمير الأسطول الأمريكي في بيرل هاربور.

دخلت أمريكا الحرب بعد ذلك وألقت القنبلتين الذريتين الشهيرتين على مدينتي هيروشيما ونجازاكي.

الشعب الياباني الذي كان يحب الشهادة والموت رأى الوجه القبيح له لأول مرة بالموت الجماعي لأكثر من 100 ألف إنسان في دقائق معدودة.

تواجهت أقدم ثقافة في اليابان وأكثرها تخلفاً (جهاد الساموراي واستشهاده) مع أحدث سلاح (القنبلة الذرية) لتنتصر الأخيرة.

كانت اليابان تبني جيشاً من الاستشهاديين الانتحاريين وتطور برنامجاً للقتال الانتحاري.

وكان المقاتل الياباني قد تدرب على العمليات الانتحارية لتفجير الدبابات والتجمعات العسكرية، وكانت ثقافة العسكرية اليابانية ثقافة مجنونة ترى الانتصار في موت أفضل مقاتليها ومواطنيها واستشهادهم بدلاً من الحفاظ عليهم سالمين.

بعد استسلام اليابان تصارع داخلها تياران: تيار يريد استمرار اليابان في ثقافة الساموراي، وتيار يرى مستقبل اليابان في الخروج من ثقافة الموت والشهادة ورميها إلى مزبلة التاريخ.

انتصرت الحداثة وتحول الياباني من مجاهد إلى عامل ومدرس ومبرمج ومخترع ومهندس يتبنى ثقافة الإبداع وحب الحياة ويغزو العالم بالتكنولوجيا والعلم لا بالسيف والموت.

لكن تيار الجهاد الياباني، للأسف، لم يختف تماماً. 
ما زالت هناك جيوب تريد من اليابانيين العودة لماضي ثقافة الموت.

ولا تستغربوا أن أهم أديبين يابانيين (يوكيو ميشيما، وياسوناري كاواباتا الفائز بنوبل للآداب) ماتا منتحرين على طريقة الساموراي (شق السيف بالبطن) احتجاجاً على تخلي اليابان عن ماضي الجهاد والشهادة والقتال.. لكنهم ليسوا إلا تياراً فرعياً وسط تيار أعم أحب الحياة وعاش كريماً مبدعاً مخترعاً يثير إعجاب العالم وحبه.


* من صفحة الكاتب علی (الفيسبوك)